طفلكم يدير رأسه عندما تحاولون تقديم الفاكهة والخضروات له؟ طفلتكم تتراجع عندما تُقدمون لها أطعمة جديدة؟ وهل يرفض تناول أيّ شيء ما عدا الشنيتسل أو المحمص (توست) أو الباستا ثلاث مرات في اليوم؟ لستم لوحدكم في هذا. الأكل الانتقائي هو ظاهرة شائعة تسبب قلقا لدى الكثير جدا من أولياء الأمور.
بين علم النفس والطبيعة: ما الذي يسبب الأكل الانتقائيّ؟
نيوفوبيا (رهاب الجديد) – الميل لتجنّب الأطعمة الجديدة، يبدأ عادة من السنة الأولى للطفل ويبلغ ذروته بين جيل سنتين إلى 6 سنوات. يُعتقد أن هذا سلوك نابع من خلفية تطورية حين يتحول الرضيع إلى صغير يمكنه التجول خارج الكهف والابتعاد عن الوالدين والتقاط طعام قد يكون ساما. تتلاشى هذه الظاهرة عادة عندما يكبر الطفل.
يبدأ الطفل كجزء من مرحلة نفسية تنمويّة في التقدم نحو الاستقلالية والانفصال فيبدأ في التعبير عن رأيه وتقرير أي أطعمة يرغب بتناولها وأيها يرغب بصورة أقل، خاصة إذا تعرّض إلى ضغط إيجابي أو سلبي من ناحية الأهل في هذا الصدد. يُنصح بمحاولة عدم الانجرار إلى صراع تحكّم على غرار العصا والجزرة: "إذا تناولت خضروات ستحصل على جائزة" أو "إذا لم تأكل الخضروات فلن تحصل على حلوى"، هذه السلوكيات وما شابهها قد تساهم في خلق التعوّد وانتقائيّة الأكل لدى الطفل.
ما سبب حدوث هذه الظاهرة؟
هناك عدة أسباب للأكل الانتقائي لدى الأطفال. أبرزها تتعلق بعوامل بيئية ونوع العلاقة بين الأهل والطفل وأنماط التغذية والحساسيّة الحسيّة وعوامل شخصيّة.
· الوراثة: "أبوه كان مثله تماما"- هل سمعت مثل هذه الجملة وابتسمت في شك؟ من الممكن أن يكون في ذلك بعض الحقيقة. اتضح أن نيوفوبيا (رهاب الجديد) لها مكوّن وراثي. على سبيل المثال هناك بعض الأطفال أو البالغين الذين يحسون بطعم مر للمركبات العشبية بينما لا يجدها الآخرون كذلك أو ربما يشعرون بقوة مرارة أقل.
· تعبير عن صعوبات أخرى: يمكن للأطفال أن يطوّروا انتقائية الأكل كتعبير عن صعوبات عاطفية. تتطلب هذه الحالات في بعض الأحيان التوجه إلى جهة مهنيّة يمكنها المساعدة ومرافقة الطفل والأهل خلال عمليّة الفحص والعلاج.
· التنظيم الحسيّ: من الممكن أن يتجلى الأكل الانتقائي على خلفية التنظيم الحسيّ في الإحجام عن مواد معيّنة أو درجة حرارة الطعام أو النكهات أو الروائح. في بعض الأحيان تتجلى أيضا في حاجة الطفل إلى محفز قوي من النكهات. على سبيل المثال، الرغبة في تناول كميات كبيرة من الأطعمة الحلوة أو المالحة جدا.
· العامل البيئي – الأسري: القدوة الشخصية. العامل الرئيسي لظاهرة الأكل الانتقائي هو الوالدين: يتأثر الطفل من المجموعة المتنوعة من الأغذية الموجودة في البيت، ومن التعرّض للتنوّع منذ جيل صغير ومن التثقيف الغذائيّ. كما يمكنهم إدراك وفهم ماذا نأكل وما هو الطعام الذي نستمتع بتناوله وما كميته. وهذا أيضا جزء مهم في التعامل مع الظاهرة والحلول.
هل هذه الظاهرة شائعة؟
يظهر من دراسات مختلفة أن معدل انتشار الأكل الانتقائي بين الأطفال والأطفال الصغار يتراوح ما بين 10% إلى 30%.
هل يمكن لهذه الظاهرة أن تؤثر على صحة طفلي؟
يتعرّض الأطفال الانتقائيون في الأكل إلى خطر نقص التغذية لأنهم يميلون إلى تناول كميات فاكهة وخضروات طازجة أقل وكميات أقل من الأغذية الغنية بالبروتين والألياف الغذائيّة. وهم كذلك معرضون إلى زيادة الوزن إذا كان استهلاك السعرات الحرارية لديهم يعتمد على الأغذية المصنعة، وعلى قائمة غذائية تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات وقد يتعرضون في الحالات القصوى إلى تباطؤ في مؤشرات الوزن والنمو.
كيف لي أن أعرف إذا كان طفلي انتقائي في الأكل؟
· إذا كان الطفل يرفض تذوق أطعمة جديدة.
· إذا كان الطفل يتناول أنواع محدودة من الغذاء.
· إذا كان الطفل لا يتناول مجموعات غذائيّة كاملة.
6 خطوات لتحسين عادات الأكل لدى طفلك:
التعرّض المنتظم لغذاء جديد
من الممكن أن يؤدي التعرّض لمجموعة متنوعة واسعة من الأغذية خلال مرحلة الطفولة إلى تقليل حدوث الظاهرة وإلى تشجيع الاستمتاع بتناول أغذية جديدة. داوموا على وضع أغذية جديدة على المائدة. إذا رفض الطفل تناولها فلا تغضب. بدلا من التعبير عن خيبة الأمل أو الغضب من المستحسن أن تقول: "لا بأس، أعتقد أنك سوف تتذوق هذا في مرة أخرى".
اخرجوا للتسوّق مع الأطفال
اطلبوا من أطفالكم المساعدة في اختيار الخضروات والفاكهة وأنواع مختلفة من الأجبان أو أي نوع غذاء ترغبون في أن يتذوقها طفلكم. إشراك الأطفال في تجربة الاختيار ستزيد من مشاركتهم وقد تحسّن استجابتهم لتجربة أنواع جديدة من الغذاء.
اطبخوا سويا
أشركوا أطفالكم في تحضير الوجبات. يمكنك أن تشتري للطفل مريول وقبعة شيف وتحويل عملية إعداد الطعام إلى تجربة ممتعة. إذا شعر الأطفال بمتعة في العمل مع الغذاء فسيزيد ذلك من احتمال تناولهم لما قاموا بتحضيره.
كونوا مبدعين
اجعلوا الأطباق ملفتة للنظر وأكثر جاذبية للأطفال. من الممكن تحضير سندوتشات مزيّنة أو صنع وجه بواسطة فاكهة وخضروات مقطعة. يشعر الأطفال، مثل الكبار، بمتعة أكبر في تناول الطعام الذي يتم تقديمه بشكل ملفت وجذاب على الطبق.
حتى لو وافق الطفل على تذوق القليل، قوموا بتشجيعه ومدحه على ذلك. هناك ضرورة إلى تعريض الطفل دائما وبشكل متسق لنفس النوع من الطعام حتى يعتاد الطفل تناوله بانتظام.
قدوة شخصيّة
احرصوا قدر الإمكان على إجراء وجبات تجتمع حولها العائلة. يشكل الوالدان نموذجا يحتذى به في سياق السلوك في تناول الطعام وتنوّع الأغذية المفضلة.
من المهم أن يتم التطرق إلى الطعام بشكل موضوعي وليس "عاطفي". عندما تتناولون الطعام سويا أضفوا جوا لطيفا على الوجبة، وتجنبوا تفعيل الضغط- بما في ذلك الضغط الإيجابي.
ركّزوا على طبقكم وليس على طبق الطفل- مسؤولية الوالدين هي في توفير طعام عالي الجودة ومتنوع وقت الوجبات والاعتناء بموقع الوجبات، ومسؤولية الطفل هي الاختيار والتناول مما يتم تقديمه له.
نصائح لتشجيع الطفل على تجربة أغذية جديدة
1. لكي يجرّب الطفل نوعا جديدا من الغذاء يجب أن يكون جائعا بدرجة كافية. لذا من المفضل التحقق من وجود فترة زمنية كافية بين الوجبات. حتى ولو قلت في نفسك "إنه بالكاد يأكل فليتناول على الأقل وجبة خفيفة صغيرة"- لا يغريكم هذا الأمر لان الوجبة الخفيفة ستملأ معدة طفلك بغذاء غير مغذي وستضر بشهيته عند تناول الوجبة القادمة.
2. حاولوا التقليل من المشروبات السكرية: احرصوا على ألا تكون الكميات مبالغ فيها وان لا يستغني بها الطفل عن الغذاء.
3. أعطوا للأطعمة أسماء رائعة- يمكن للاسم الذي نعطيه للطعام أن يصنع فرقا كبيرا في تعامل الطفل مع الطعام. في إحدى الدراسات قام الباحثون بإعطاء أسماء للخضروات على سبيل المثال "جزرة إكس" أو "أميرة البازيلاء" وجدوا أن هناك 60 بالمئة احتمال أكبر في أن يرغب الأطفال في تناول هذا النوع من الخضار.
4. حاولوا أن تعرضوا عليهم أنواعا جديدة عندما يكونون بمعية أصدقاء. في الكثير من الحالات، سيوافق الأطفال على تجربة تناول أطعمة يتناولها أو يحبها الأصدقاء. بالإضافة إلى ذلك، فعندما يأكلون خارج البيت- في الحديقة مثلا أو لدى الأصدقاء فإنهم يشعرون بضغط وتوتر اقل حول موضوع الأكل.
يَعيل حِن ربيع أخصائية تغذية أطفال ومركزة مجال في لواء دان بيتح تكڨا ومنطقة الشارون والشومرون في كلاليت
عوفري يلين أخصائيّة تغذية سريرية في مجال اضطرابات الأكل في مستشفى شنايدر.