تمّ اكتشاف البكتيريا الملويّة البوابيّة (Helicobacter Pylori) من قبل باحثين أستراليين باري مارشل وروبين وارين- في ثمانينات القرن ال-20. أحدث ادعاء الباحثين بأنّ هناك علاقة بين البكتيريا التي تمّ اكتشافها وبين قرحة المعدة وسرطان المعدة ردود فعل ساخرة من قبل العلماء والأطباء. كان هؤلاء على قناعة أنّه لا توجد بكتيريا يمكنها أن تعيش في البيئة الحامضية للمعدة. بعد أن أصبحت فرضية الباحثان الأستراليان حقيقة طبيّة مقبولة (حصلا بفضلها على جائزة نوبل في الطب) بدأوا ينظرون إلى البكتيريا الملويّة البوابيّة كمسؤولة عن أي مشكلة تظهر في الجهاز الهضمي بالإضافة إلى العديد من المشاكل خارج الجهاز الهضميّ. في معظم الحالات هذه الاتهامات ليس لها مبررات.
كما ذكرنا سابقا، فإن البكتيريا الملويّة البوابيّة تنجح، على عكس البكتيريا الأخرى، في البقاء في المعدة رغم عصارات الجهاز الهضمي، وذلك بفضل قدرتها على تفكيك مادة اليوريا (UREA) وإنتاج الأمونيا، وهي مادة قاعدية مضادة لحموضة المعدة. تلتصق البكتيريا مع الخلايا الظهاريّة في المعدة، وتحدث حولها استجابة التهابيّة تضعف الجهاز المناعي لدى الشخص المصاب. هذه العمليّة برمتها قد تؤدي إلى حدوث جرح يسميه العامة جرح المعدة ويُطلق عليه باللغة الطبيّة قرحة المعدة.
· هل تحتاجون إلى أطباء أو عيادات؟ كل ما عليكم فعله هو البحث
· هل ترغبون في تحديد دور؟ قوموا بذلك بنقرة واحدة
هل هي بكتيريا شائعة؟
هذه البكتيريا شائعة جدا لدى السكان وخاصة لدى كبار السن. يمكن أن نجدها لدى أكثر من نصف الفئة السكانيّة من جيل 65 فما فوق. وهي أكثر شيوعا في ظروف الكثافة السكانية والدول النامية: في الدول الغربيّة هناك 10% إلى 50% من السكان يحملون هذه البكتيريا، بينما في الدول النامية فهناك أكثر من 50% من السكان يشكلون حاضنة للبكتيريا.
كيف تنتقل العدوى منها؟
حتى الآن من غير الواضح تماما كيف تنتقل البكتيريا من شخص لآخر، ولماذا هناك نسب عالية من السكان المصابين بها. من المعلوم بشكل أكيد أنه إذا كان أحد أفراد الأسرة مصابا بالبكتيريا فإنه من المرجح أن نجدها لدى بقية أفراد الأسرة أيضا. على ما يبدو فإن انتقال العدوى في الدول النامية يتم بشكل رئيسي من خلال ملامسة البراز المصاب. انتقال العدوى في الدول المتقدمة يتم بشكل رئيسي عن طريق الفم (من فم لفم، من خلال اللعاب)، على سبيل المثال في أعقاب استخدام أدوات مشتركة.
هل حقا تسبب البكتيريا الملويّة البوابيّة قرحة المعدة؟
نجد أن حوالي غالبيّة الأشخاص الذين يعانون من قرحة الاثني عشر (حوالي 90%) لديهم البكتيريا وكذلك 60% من الأشخاص الذين يعانون من قرحة المعدة. حتى اكتشاف البكتيريا وارتباطها بقرحة المعدة وقرحة الاثني عشر كانت حالات تكرار الإصابة بالقرحة بعد العلاج شائعة جدا. بعد أن تبيّن أنه يجب القضاء على البكتيريا، انخفضت حالات تكرار الإصابة بالقرحة بشكل كبير جدا، وبالتالي فإن عمليّة القضاء على البكتيريا أصبحت جزءا لا يتجزأ من علاج قرحة المعدة. لا تسبب البكتيريا القرحة بشكل مباشر فقط لكنها أيضا تسرّع العمليّة من خلال زيادة حساسيّة المعدة تجاه الأحماض والإنزيمات التي تنتجها هي بنفسها (مثل البيبسين).
أي مشاكل أخرى تسبب؟
تشكل البكتيريا الملويّة البوابيّة عامل خطر للإصابة بسرطان المعدة والأورام اللمفاوية في المعدة، كما يمكن أن نفهم، من بين الأمور الأخرى، من تواجدها لدى المرضى المصابين بهذه الأمراض. إذا تمّ القضاء على البكتيريا لدى مرضى الأورام اللمفاوية في المعدة من نوع MALT ، يمكن أن يتحقق الشفاء وستتراجع الأورام الليمفاوية نتيجة القضاء على البكتيريا.
أعلنت منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن هذه البكتيريا هي مادة مسرطنة أي أنها مولدة للسرطان. مع ذلك لا ينبغي اعتبارها المولّد الوحيد للتحوّل السرطانيّ، لكن يبدو أنها تساعد العوامل الوراثيّة والبيئيّة المسببة للمرض. يزداد خطر الإصابة بسرطان المعدة لدى الأشخاص الذين يحملون البكتيريا في حالات التهاب المعدة الضموري والنقيلي. التهاب المعدة الضموري هو التهاب الغشاء المخاطي في المعدة. عند فحص غشاء معدة مصابة بالتهاب المعدة الضموري يمكن رؤية الالتهاب وأيضا اختفاء الغدد التي تفرز الأحماض في الغشاء، الموجودة فيها بشكل عام. التهاب المعدة النقيلي هو نوع التهاب أكثر تقدما ويتطلب في بعض الأحيان متابعة دوريّة باستخدام التنظير للتأكد من عدم وجود تحوّل سرطاني.
عوامل خطر أخرى لسرطان المعدة:
تناول الأطعمة المدخّنة والنظام الغذائي الغنيّ بالملح والأطعمة التي تحتوي على نسبة مرتفعة من النترات. الأشخاص من فصيلة دم A أو B لديهم ميل متزايد للإصابة بسرطان المعدة مقارنة بأشخاص من فصيلة دم O. السبب: نجد أن البكتيريا أكثر شيوعا لدى الأشخاص من فصيلة دم A أو B.
هل تسبب البكتيريا الملويّة البوابيّة ظهور حرقة المعدة؟
حرقة المعدة هي الشعور بالحرقان أو اشتعال في منطقة المريء. يتفاقم هذا الشعور بشكل عام بعد تناول الوجبات الكبيرة وفي أعقاب الاستلقاء بعد تناول الأكل. تحدث الحرقة المعدية جراء صعود العصارة الحمضيّة إلى المريء، وهي تسبب في العادة الكثير من الانزعاج.
لم يتم إثبات أي علاقة سببية بين عدوى البكتيريا وبين ظهور الحرقة المعدية، بل بالعكس: وجد أن الأشخاص الذين يعانون من الحرقة المعدية لديهم نسبة شيوع العدوى بالبكتيريا منخفضة مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من الحرقة المعديّة.
يتم في الآونة الأخيرة توجيه أصابع الاتهام نحو البكتيريا في أي شكوى تتصل بمنطقة البطن. هناك مصطلح يطلق عليه سوء الهضم (عسر الهضم الوظيفيّ) (functional dyspepsia)، وهو تعبير عن أعراض لآلام متكررة في منطقة البطن أو الشعور بعدم الراحة في البطن، وعادة ما يتعلق بتناول الأكل. يمكن أن يرافق هذا شعور بالغثيان، انتفاخ البطن، الشعور بالشبع المبكر وفقدان الشهية أو حتى شعور بالاشمئزاز من الطعام. أحيانا تكون الآلام شبيهة جدا لتلك التي يكون تسببها قرحة المعدة، لكن في هذه الحالة لا نجد أي قرحة أو أيّ مرض آخر مرئي، لا في المعدة ولا في الأمعاء.
هذه الظاهرة شائعة جدا، وقد تمّ مؤخرا عزو بعض منها إلى إصابة المعدة بعدوى البكتيريا الملويّة البوابيّة. في دراسة عشوائيّة كبيرة تبيّن أن للقضاء على البكتيريا تأثير إيجابي ضئيل جدا على الشكاوى، لذلك فهو ليس المسبب الرئيسيّ لظاهرة سوء الهضم. (25% من الأشخاص شعروا بالتحسّن بعد القضاء على البكتيريا في مقابل 7% إلى 21% من الأشخاص الذين شعروا بالتحسّن بعد أخذهم العلاج بأمبراديكس).
هل يمكن أن يسبب وجود البكتيريا الإسهال؟
بالعكس. قام الباحثون بفحص العلاقة بين عدوى البكتيريا الملويّة البوابيّة وبين حالات إسهال (ناتجة عن عدوى في الجهاز الهضمي، معظمها فيروسي)، وقد نشروا في عام 2011 نتائج الدراسة، وكانت النتائج مفاجئة: الأشخاص المصابين بعدوى البكتيريا الملويّة البوابيّة أصيبوا بحالات إسهال ناتجة عن عدوى بكتيرية أو فيروسيّة بصورة أقل. لذلك من الممكن القول أنّه على الرغم من مساوئ البكتيريا فربما يكون لها دور في الوقاية من أمراض الإسهال المعدية.
كيف يمكنني أن أعرف إذا كانت البكتيريا موجودة في معدتي؟
- أبسط طريقة هي من خلال اختبار الزفير. يتم خلال الاختبار استخدام نظير مشع من الكربون أو اليوريا. يقوم الشخص خلال الاختبار بالزفير على شريحة تقيس كميّة ثاني أكسيد الكربون في هواء الزفير، وذلك لأنّ البكتيريا تنتج ثاني أكسيد الكربون (لكن هذا الغاز ينتجه أيضا الشخص الذي يقوم بالزفير) يمكن من خلال الكمية المنبعثة معرفة ما إذا كانت البكتيريا موجودة في المعدة. الاختبار بسيط وغير غازي وذو موثوقيّة عالية جدا.
- يمكن من خلال فحص الدم الكشف عن وجود أجسام مضادة للبكتيريا. هذا الفحص اقل موثوقيّة، وذلك لأن الأجسام المضادة تبقى في الدم بعد سنوات من القضاء على البكتيريا، وبالتالي فإنّ النتائج لا تشير بالضرورة إلى وجودها. بمعنى آخر: الشخص الذي أصيب قبل سنوات وتمّ خلال علاجه القضاء على البكتيريا بنجاح ولم يعد يحمل البكتيريا، قد يصنّف في هذا الفحص "إيجابيا" أي أن الفحص يحدده كشخص حامل للبكتيريا.
- في فحص تنظير المعدة (فحص يتم من خلاله إدخال كاميرا إلى المعدة عن طريق الفم) يمكن أخذ عيّنة من الغشاء المخاطي للمعدة ورؤية البكتيريا بواسطة ميكروسكوب. أو بدلا من ذلك يمكن تشخيص البكتيريا من خلال أخذ عيّنة من الغشاء المخاطي للمعدة بواسطة اختبار أوراز. هذا الاختبار يحتوي على اليوريا، ويستند إلى أنّه إن كانت البكتيريا موجودة فإنها سوف تقوم بإنتاج الأمونيا من اليوريا (بواسطة إنزيم أوراز الذي تفرزه). يمكن قياس نسبة الأمونيا وفقا للتغير الذي يحدث في لون الاختبار.
- فحص البراز للكشف عن مستضد البكتيريا.
مَن ينصح له بإجراء الفحص؟
- الأشخاص الذين يعانون من أعراض سوء الهضم.
- الأشخاص الذين أصيبوا بسرطان المعدة أو الأورام الليمفاويّة من نوع MAL T في المعدة؛ والأشخاص الذين يعانون من التهاب المعدة الضموريّ أو آفة ما قبل سرطانية المعدة.
- الأشخاص الذين لديهم قريب عائلة من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت) أصيب بسرطان المعدة.
- الأشخاص الذين عانوا في الماضي أو يعانون من قرحة الاثني عشر أو قرحة المعدة ولم يخضعوا للفحص بعد.
- الأشخاص الذين يتعالجون منذ مدة طويلة بعقاقير مضادة لإنتاج الحموضة في المعدة مثل الأمبراديكس أو لوساك.
- الأشخاص الذين يعانون من نقص الحديد أو نقص فيتامين B12 بدون سبب واضح (بعد إجراء الفحوصات المناسبة) والأشخاص الذين يعانون نقص الصفيحات المناعي ITP المقاوم للعلاج.
تبيّن أنني احمل البكتيريا، ما الذي يجب فعله الآن؟
البكتيريا مقاومة للعلاج بالعقاقير المستخدمة في العادة للقضاء على البكتيريا، وعندما يتم استخدام نوع واحد من الأدوية فإن معدّل النجاح يكون منخفضا. عندما يتم استخدام مزيج من ثلاثة أنواع من المضادات الحيويّة، تكون معدلات النجاح عالية وتصل حتى 90%. مبدئيا، العلاج المعمول به هو مزيج من عدة أنواع من المضادات الحيويّة ومستحضر مضاد للحموضة. يستغرق العلاج ما بين 10 أيام إلى أسبوعين.
تمّ بالصدفة اكتشاف وجود البكتيريا عندي، لكنني لا أعاني من أيّ أعراض، ما العمل؟
الإجابة على هذا السؤال معقدة بعض الشيء. في دول معيّنة حيث معدلات الإصابة بسرطان المعدة عالية من المعتاد إجراء مسح لوجود البكتيريا الملويّة البوابيّة لجميع السكان الأصحاء، وإذا اكتشفت البكتيريا لدى أحدهم، يتم إعطاؤه علاجا للقضاء عليها حتى وإن كان لا يعاني حتى موعد الفحص، من أيّ أعراض. لا توجد في إسرائيل توصية لفحص وجود البكتيريا الملويّة البوابيّة لدى الأشخاص الأصحاء. ومع ذلك، إذا تم في عيادة في إسرائيل اكتشاف البكتيريا الملويّة البوابيّة لدى أحدهم، حتى وإن جرى فحصه بالصدفة أو كان يشعر بصحة جيدة، فيوصى بإعطائه علاج للقضاء على البكتيريا بسبب ارتباطها بسرطان المعدة.
ما هي الأدوية المعمول بها للقضاء على البكتيريا؟
العلاج الأكثر شيوعا والذي يدعى "العلاج الرباعي"، يشمل مزيجا من نكسيوم 40 ملغ مرتين في اليوم، موكسپين 1 غرام مرتين في اليوم، پروتوسيد 500 ملغ مرتين في اليوم وكلسيد 500 ملغ مرتيم في اليوم لمدة 10 أيام إلى أسبوعين.
يُنصح بإجراء اختبار الزفير بعد شهر من إتمام العلاج للتأكد من نجاح العلاج وأن البكتيريا قد انقرضت بالفعل. إذا لم ينجح العلاج وكانت نتيجة اختبار الزفير إيجابيّة، فتوجد هناك خيارات مزيج أخرى من الأدوية.
هل يوجد نظام غذائي معيّن يمكنه أن يساعد الحاملين للبكتيريا الملويّة البوابيّة؟
لا يوجد مثل هذا النظام الغذائي، لكن هناك بعض المكملات الغذائيّة مثل زيت الأورجانو الذي يمكنه أن يقلل إلى درجة كبيرة ضغط البكتيريا الملويّة البوابيّة في المعدة وبالتالي تخفيف الأعراض. لكن هذه المكملات لا يمكنها القضاء نهائيّا على هذه البكتيريا في المعدة. القضاء الكامل يمكن الحصول عليه بواسطة المضادات الحيويّة.
دكتور دورون بولطين طبيب الجهاز الهضمي في منظومة أمراض الجهاز الهضميّ في المركز الطبيّ رابين، من مجموعة كلاليت. كما يشغل أيضا مديرا لعيادات البكتيريا الملويّة البوابيّة وعسر الهضم في المركز الطبي رابين