مبروك، لقد جلبت حياة جديدة إلى العالم، أنت أم، ومن الآن ستتغير حياتك. يجلب لنا هذا الأمر الكثير من الفرح والسعادة، ولكنه في بعض الأحيان يجلب أيضًا الكثير من الارتباك والصعوبة العاطفية.
بعد الولادة، وأحيانًا أثناء الحمل، تعاني النساء أحيانًا من أعراض جسدية وادراكية وعاطفية مرتبطة بأزمة نفسية. تشمل هذه الأزمة مجموعة من الحالات التي قد تتطور في الأيام والأشهر التي تلي الولادة.
هل تريدين ان تسألي؟ أو أن تستشيري؟ يمكنك أيضًا التوجه الى موكيد الممرضات الذي يعمل على مدار 24 ساعة على 2700*
|
الحالات النفسية بعد الولادة
تختلف حالات ما بعد الولادة عن بعضها البعض في مدتها وشدتها ودرجة تأثيرها على الأداء اليومي. لدى لكل من تعاني من هذه الظاهرة، فإن التجربة شخصية ومختلفة، ولكن بشكل عام يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع.
1. الكآبة
تظهر الكآبة بعد الولادة (Blues Post Partum أو Baby Blues) لدى 50٪ إلى 80٪ من النساء خلال العشرة أيام التي تلي الولادة.
تشمل الكآبة أعراضًا عابرة مثل الميل إلى البكاء والعصبية والهلع والأرق والخمول وفقدان الشهية والشعور العام بالإرهاق العاطفي - خاصة في سياق المهام المتعلقة برعاية الرضيع. تمامًا كأيام الحمل، قد تعانين من تغيرات حادة في الحالة المزاجية مع أو بدون سبب.
هل سيمر ذلك؟
نعم. تظهر الأعراض عادة في اليوم الثالث أو الرابع بعد الولادة، بعد أن تخرج الأم من المستشفى، وتبلغ الأعراض ذروتها في اليوم الخامس تقريبًا، وفي معظم الحالات تتلاشى بحلول اليوم العاشر.
غالبًا ما يُفترض أن سبب الكآبة هو التغيرات الهرمونية المصاحبة للولادة، ولكن يجب عدم الاستهانة بالإرهاق والضغط المرتبطين بالحدث الكبير واللقاء الأول بالطفل، حيث تتواجه التوقعات مع الواقع.
2. الاكتئاب
الحالة الأكثر خطورة من الكآبة هو الاكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)، والذي يصيب 10٪ إلى 15٪ من النساء. إذا كانت المنجبات صغيرات السن، فالنسبة تكون أعلى من ذلك.
متى تتحول الكآبة إلى اكتئاب؟
عندما لا تتحسن الكآبة وتستمر لمدة أسبوعين على الأقل. في معظم الحالات، يستمر الاضطراب بضعة أشهر، وإذا لم تحصل المرأة على العلاج - فقد يستمر عامًا بل وحتى أكثر.
الأعراض الشائعة
تدني الحالة المزاجية، وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت محببة وممتعة قبل ذلك، واضطرابات النوم والأكل، وفرط النشاط أو تباطؤ الأداء اليومي، والإعياء المستمر، والشعور القوي بالذنب أو الشعور بنقص القيمة، والصعوبات الادراكية مثل صعوبة التركيز واتخاذ القرارات والأفكار المتكررة عن الموت أو الانتحار.
قد تكون أعراض الاكتئاب مصحوبة كذلك بأعراض الهلع.
علاوة على ذلك، قد تُظهر المصابة بالاكتئاب عدم الاهتمام بالرضيع، أو تخشى أن تكون بمفردها معه أو، عكس ذلك، الانشغال به بشكل مفرط الامر الذي يؤدي الى ازعاجه. إذا ظهرت لديك خمس من الأعراض المذكورة هنا، فقد يدور الحديث عن اكتئاب ما بعد الولادة، وفي هذه الحالة من الأجدر بك طلب الاستشارة والمساعدة.
شدة الاكتئاب ليست واحدة: في بعض الحالات تكون المرأة في أزمة، ولا تستمتع برعاية الطفل، وتصبح الأمومة بالنسبة لها مسألة فنية. حتى أنها تشكو أحيانًا من أنها لا تحب الطفل، لكنها تستمر في اداء الواجب. في الحالات الأكثر شدة، تستصعب المرأة النهوض من الفراش وأداء واجب الأمومة.
إلى جانب المعاناة التي أصبت بها والقلق الذي سيطال بالتأكيد زوجك، في مثل هذه الحالة سيكون الرضيع عرضة لخطر الإهمال الجسدي أو الرفض أو الحرمان العاطفي، وقد تتضرر العلاقة بين الأم والرضيع، ويكون عرضة لخطر الاضطرابات التطورية والنفسية بشكل كبير.
النساء المعرضات لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة هن النساء اللواتي لديهن تاريخ شخصي أو عائلي من الاكتئاب، وكذلك أيضًا تلك اللواتي يواجهن مشاكل نفسية واجتماعية عديدة وخطيرة أو تلك اللواتي يواجهن المصاعب المستمرة في التعامل مع الآخرين.
يتبين من الدراسات الحديثة أن جائحة كورونا أصبحت أيضًا عامل خطر، وخلالها تضاعف (بل أكثر) معدل النساء اللواتي يواجهن اكتئاب ما بعد الولادة.
3. أعراض نفسية
الحالة الأخطر هي الاكتئاب ما بعد الولادة الذي يكون مصحوبًا بأعراض نفسية. والحديث يدور عن اضطراب نادر يصيب واحدة أو اثنتين من كل ألف منجبة.
الأعراض الشائعة
في هذه الحالة، تعاني الأم الجديدة من إدراك مشوش للواقع، وتضرر خطير في الحكم على الامور، وقد تظهر هلوسات سمعية أو بصرية بالإضافة إلى أفكار خاطئة ترتبط بالعظمة أو الخطر من البيئة المحيطة، على سبيل المثال التفكير في أن الطفل هو مخلوق الاهي أو شيطاني.
قد تتلقى المرأة التي تعاني الهلوسة "تعليمات" بإيذاء نفسها أو ايذاء الآخرين أو تصديق أفكار قد تمس بالطفل (مثل أن الرُضع لا يحتاجون إلى الطعام).
نظرًا لأن هذا الاضطراب يعطل الأداء بشكل حاد، والنساء واللواتي يعانين منه معرضات بشكل كبير للانتحار أو لإيذاء الرضيع ، فإنه، أي الاضطراب، يتطلب علاجًا دون تأخير وغالبًا ما يتطلب الأمر المكوث والعلاج في المستشفى.
هل يمكن للآباء أيضًا أن يصابوا باكتئاب ما بعد الولادة؟
بالتأكيد. يمكن أن يعاني الرجال أيضًا من الاكتئاب بعد الولادة (Paternal Postnatal Depression). تظهر هذه الحالة لدى 8٪ إلى 10٪ من الآباء الجدد وغالبًا عندما يكون عمر الرضيع من ثلاثة إلى ستة أشهر.
العوامل والأعراض
في فترة ما بعد الولادة، يتغير أيضًا واقع الآباء بشكل كبير. يواجه العديد من الآباء مخاوف وتحديات جديدة وعبئًا من النوع الذي لم يعرفوه: رعاية رضيع ودعم أمومية الزوجة وغيرها من الأمور الأخرى.
هنالك رجال يبدؤون بالشعور بالوحدة وأنه "مرمي" ( جانبًا؛على قارعة الطريق) بسبب الانشغال الكبير للأم في الرضيع - وهي مشاعر غالبًا ما تكون مصحوبة بمشاعر الذنب وعدم القدرة على مشاركتها مع الزوجة. اضافة على ذلك، في الأشهر الأولى، هناك رجال يتحدثون عن ارتباط عاطفي ضعيف جدًا برضيعهم مقارنة بالأم.
مع ذلك، فإن أكبر عامل خطر لاكتئاب الأب، قبل الولادة وبعدها، هو اكتئاب الأم، لأن اكتئاب أحد الوالدين يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالاكتئاب لدى الشريك، الوالد، الآخر أيضًا.
غالبًا ما تكون أعراض الاكتئاب ما بعد الولادة لدى الرجال مماثلة لتلك التي تظهر لدى النساء. الاختلاف هو في التوقيت: مقارنة بالنساء، يتطور الاكتئاب الذكوري تدريجيًا وببطء. ينخفض معدل الاكتئاب ما قبل الولادة مباشرة بعد الولادة، لكنه يزداد بشكل كبير خلال السنة الأولى من الوالديّة.
ما هو العلاج؟
العلاج مهم سواءٌ من أجل تخفيف معاناة الأم و/أو الأب وسواءٌ من أجل منع تداعيات طويلة المدى على نمو الطفل ونسيج العلاقات الأسرية.
في حالات الاكتئاب الطفيف إلى المتوسط ، عادةً ما قد يؤدي العلاج النفسي من خلال المحادثات (العلاج النفسي) إلى تحسن كبير. إذا كان الحديث يدور عن اكتئاب أكثر حدة، فعادة ما يتم ادخال العلاج الدوائي أيضًا. بالإمكان اليوم كذلك ايجاد برامج علاجية في الإنترنت تتيح للمرأة الحصول على الدعم الذي تحتاج اليه دون مغادرة المنزل.
سينجح كل من النساء والرجال - في معظمهم - من التغلب على الاكتئاب عن طريق الدعم المناسب. سيساعدهم العلاج على إعادة التنظيم سواءٌ على المستوى التقني أو على المستوى العاطفي حول التغيير الكبير الذي يجلبه الطفل معه إلى العالم.
الدكتورة تمار شفيت بيسح؛ أخصائية نفسية إكلينيكية في مركز شيلفاتا للصحة النفسية، التابع لمجموعة كلاليت