تعتبر وفيات الاطفال من اهم المؤشرات للوضع الصحي وجودة الحياة في الدول المختلفة. حيث انها تعبر ليس فقط عن مستوى الخدمات الصحية الطبية بل انها تعكس صورة حقيقية للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومدى تطور الدول.
تحسب وفيات الاطفال كنسبة للالف حيث يتم تقسيم عدد الاطفال اللذين ولدوا احياء ولكنهم توفوا دون ان يصلوا سن السنة على مجمل عدد الاطفال اللذين ولدوا احياء خلال سنة معينة. او بشكل مبسط هي عبارة عن نسبة الوفيات للالف بين الاطفال الذين ولدوا احياء (خلال السنة الاولى للحياة).
يعتبر اجمالي وفيات الاطفال في البلاد منخفض جدا (حوالى ال-5 من الالف) مقارنة مع دول الجوار ومع دول اخرى في العالم الثالث ترتفع عند بعضها نسبة وفيات الاطفال الى ما فوق المئة من الالف. الا ان النسبة في اسرائيل تكون مرتفعة مقارنة مع الدول الاوروبية.
نسبة وفيات الاطفال العرب في البلاد
تشهد نسبة وفيات الاطفال في البلاد انخفاضا كبيرا منذ سنوات الخمسين الى يومنا هذا الا ان النسبة لا تزال مضاعفة عند الاطفال العرب مقارنة مع اليهود. وكما يظهر الرسم البياني ادناه -والذي يتعتمد على معطيات رسمية من وزارة الصحة- فان نسبة وفيات الاطفال بين اليهود تصل الان الى 4 من الالف وبين العرب تكون مضاعفة حوالي الثمانية من الالف.
الا ان ما يقلق حقا هو نسبة وفيات الاطفال عند السكان العرب في النقب حيث تصل هذه النسبة الى الثلاث اضعاف (أي حوالي ال- 12 من الالف) مقارنة مع النسبة العامة في البلاد لوفيات الاطفال كما يظهر من الرسم ادناه.
وفيات الاطفال للسكان في اسرائيل عامة (الاسود), عند المسلمين (الازرق) وعند السكان البدو في النقب (الابيض) في السنوات 2001-2006
اسباب وفيات الاطفال المرتفعة عند العرب في البلاد:
يعزو الكثير من الباحثين في البلاد نسبة وفيات الاطفال المرتفعة عند العرب الى اسباب وراثية حيث تكون نسبة العاهات المولودة مرتفعة عند الاطفال العرب عند الولادة مقارنة مع اليهود التي ترتفع عندهم نسبة ولادة الاطفال الخدج (بشكل عام ذوي الوزن اقل من 2 كم عند الولادة) والمرتبطة عادة بولادة بجيل متأخرة او بعلاج العقم. اما عند العرب فتنسب العاهات المولودة المرتفعة لزواج الاقارب الذي لا يزال مرتفعا عند العرب في البلاد حيث تصل نسبته الى حوال ال- 40%.
الاسباب الحقيقية لارتفاع وفيات الاطفال:
ادى التركيز على العاهات المولودة وزواج الاقارب كاسباب اساسية لوفيات الاطفال الى اهمال عوامل اخرى لا تقل اهمية لوفيات الاطفال لكن ما لم يتم التطرق اليها بشكك حقيقي وجدي. حيث كان من المريح للبعض نسب وفيات الاطفال المرتفعة لعوامل وراثية (العاهات المولودة) وثقافية كزواج الاقارب. مثل هذه العوامل "لا يوجد منها مخرج" وهي غير قابلة للتغيير حسب طرح البعض: "شو بدكو نغير ثقافة المجتمع العربي؟ لا مش لازم نتدخل فيهم".
اما العوامل الحقيقية وراء زيادة وفيات الاطفال عند العرب والتي تم اهمالها حتى الان فهي شبيهة بتلك العوامل التي وجدت عند اقليات اخرى في العالم مثل السود في امريكا والهنود الحمر في كندا والسكان الاصلانيين في نيوزيلاندا واستراليا. تعود هذه العوامل غالبا الى الظروف الاقتصادية المتدنية والصراع السياسي والاضطهاد التي تعيشه هذه الاقليات في حاضرها وكونها عهدت تاريخا كولونيالى ادى الى زعزعة الاسس الاقتصادية لهذه الشعوب وحرمانها من النعم الاقتصادية لبلادها. حيث تناضل جميعها الان لتحصيل حقوقها على جميع الاصعدة.
ترتبط وفيات الاطفال عند هذه الاقليات ارتباطا جذريا بالتاريخ السياسي والصراع الاقتصادي والطبقي. فقد وجدت العديد من الابحاث ان الظروف المعيشية السيئة والوضع الاقتصادي المتردي لهذه الاقليات وحرمانها من فرص العمل والتعليم العادلة كان له علاقة كبيرة مع زيادة وفيات الاطفال عندها.
اما عندنا فقد اظهرت نتائج لابحاث جديدة علامات اولية تشير الى التفسير الانف الذكرحيث وجد مثلا ان نسبة وفيات الاطفال العرب ترتفع بشكل مطرد مع سنوات تعليم الام. كما يظهر من الرسم ادناه ان نسبة وفيات الاطفال تصل الى 11 من الالف عند النساء العربيات اللواتي تعلمن 0-8 سنوات بينما تكون حوالى 8 من الالف عند النساء اليهوديات من ذوات نفس المستوى التعليمي . مما يدل انه ليس فقط عدد سنوات التعليم يفسر هذه الفروقات في نسبة وفيات الاطفال بين العرب واليهود بل توجد عوامل اخرى مهمة يجب اخذها بعين الاعتبار.
ولكن من الجدير ذكره ان عدد سنوات التعليم هو مقياس هام للوضع الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي ايضا. اذ انه يدل ليس فقط على الوضع الاقتصادي الحالي للفرد بل على الاستثمار به عند صغره ليس فقط من قبل عائلته ولكن ايضا من قبل المؤسسة والدولة المسؤولة عن توفير جهاز التعليم للافراد في المجتمع. كما ان تعليم الفرد يدل ايضا على وضع عائلته الاقتصادي ليس فقط اثناء صغره بل ايضا خلال فترة المدرسة والجامعة وهل استطاعت توفير فرصة التعليم العالي له. من هنا يجب النظر الى المعطيات التي نراها في الرسم ادناه اكثر من انها سنوات تعليم حالية بل على انها تعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للفرد, لعائلته وللمجموعة الاجتماعية والاثنية التي ينتمي اليها.
زد على ذلك ان احد الدراسات في البلاد اظهرت ان الفروقات في وفيات الاطفال بين العرب واليهود اختفت عند اخذ بعين الاعتبار الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بينها. أي ان العوامل الثقافية المدعوة تلعب دورا اقل مما هو منسوب لها.
بناء عليه فان محاولات خفض نسبة وفيات الاطفال عند العرب في البلاد فقط عن طريق التركيز فقط على تقليل زواج الاقارب لن تأتي بالنتائج المرجوة حيث انه حري بهذه البرامج ان تبدأ بالنظر الى العوامل البنيوية الاخرى. فربما يكون خفض وفيات الاطفال عن طريق الاستثمار بالاطفال الاحياء ومنحهم فرص افضل في التعليم والعمل والمشاركة السياسية!
* عن مجلة "مالكم" - مجلة الاقتصاد والاعمال العربية
* המידע המופיע במדריך הוא לידיעה כללית בלבד. יש לעיין בתנאי השימוש ומדיניות הפרטיות