تفصل القهوة الوقت إلى قسمين، إذ إن رائحتها وطقوس تقديمها ومذاقها تنقلك من مرحلة ما قبل شربها إلى ما بعدها. فعندما مثلاً تحتسي قهوة الصباح، أنت تنتقل من حالة النوم إلى اليقظة لتعلن عن بدء نهار جديد. ولعل أجمل ما قيل في قهوة الصباح كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، إذ قال: "القهوة هي هذا الصم الصباحي الباكر المتأني والوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل و عزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير وداكن و سري اللمعان، أصفر مائل إلى البني ثم تضعه على نار خفيفة، آه لو كانت نار الحطب... والقهوة هي مفتاح النهار هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت، الفجر نقيض الكلام ورائحة القهوة تتشرب الأصوات ولو كانت تحية رقيقة مثل صباح الخير وتفسد… لأن القهوة فنجان القهوة الأول هي مرآة اليد واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها وهكذا فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار".
إن هذا الانتقال برفقة القهوة من حالة إلى أخرى لا يقتصر فقط على بدء نهار جديد، إذ إن شرب القهوة في الذهنية العربية يحدد أيضًا مرحلة نهاية الزيارة وبداية الفراق، ويشكّل شربها موافقة مشتركة للدخول في درجة أعلى من الألفة، أو موافقة على مشروع زواج أو عقد عمل أو هدنة لوقف الثأر الاجتماعي. فيما تلعب القهوة دوراً هامًا في تعزيز القيم العربية مثل الضيافة والكرم والإحترام والتسامح وتقدير الضيوف، إلا أنها لم تكن معروفة عند العرب في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في العصر الأموي، إذ أنها دخلت الوطن العربي فقط في القرن الثالث عشر الميلادي.
ومع أن معظم شاربي القهوة يحتسونها لأسباب شخصيّة أو اجتماعية وليس بحثًا عن فوائدها الصحية، إلا أن الدراسات تشير إلى أن شرب القهوة باعتدال مرتبط بفوائد صحية عديدة، فهي تخفض من خطر الإصابة بالأمراض التالية:
وفيما لا يؤثر موعد تناول القهوة في فعاليتها بتوفير الفوائد الصحيّة المذكورة سابقًا، إلا أنه قد يؤثر على فعالية القهوة في زيادة درجة اليقظة والنشاط الجسدي والذهني. فما هي أفضل الأوقات لشرب القهوة من أجل الحصول على قمة النشاط والتركيز؟ يبدو أن العامل الأساسي الذي يحدد فعالية القهوة هو تركيز هرمون الكورتيزول.
يفرز جسم الإنسان بشكل طبيعي هرمون الكورتيزول الذي يطلق عليه أيضًا "هرمون النشاط"، إذ يشبه في تأثيره مادة الكافيين الموجودة في القهوة ويتسبب في الشعور باليقظة. ويشار إلى أن هرمون الكورتيزول يفرز عن طريق الغدد الأدرنالية التي هي عبارة عن غدتين صغيرتين تقع كل واحدة منهما فوق الكلية. ويشار إلى أن تنظيم مستوى الكورتيزول في الجسم يقع تحت ثأثير غدة ما تحت المهاد (الهيبوثالامس) الموجودة في الدماغ ويتعرَض للتغيير طوال اليوم حيث يصل ذروته في الأوقات الثلاثة التالية:
- بعيد الاستيقاظ وحتى الساعة التاسعة صباحًا.
- الساعة الثانية عشر وحتى الساعة الواحدة ظهراً.
- الساعة الخامسة والنصف حتى الساعة السادسة والنصف بعد الظهر.
يتحكم الكورتيزول بالساعة البيولوجية في الجسم حيث يؤدي ارتفاعه إلى الشعور بالنشاط والطاقة فيما يتسبب انخفاضه بالشعور بالخمول والهدوء والنعاس. فهل تعتقد تقل أن فعالية القهوة تزداد أم أنها عند استهلاكها في الأوقات التي يكون فيها تركيز هرمون الكورتيزول عاليًا؟ هذا هو بالتحديد ما بحثه علماء الأعصاب في جامعة الخدمات الموحدة للعلوم الصحية في ولاية ماريلاند حيث كشفوا مؤخرا أن هرمون الكورتيزول، عندما يكون تركيزه عاليًا في الجسم، يتفاعل مع الكافايين ويقلل من تأثيره الإيجابي في الجسم.
وأشار الباحثون إلى أن شرب الناس القهوة عندما يكون الكورتيزول مرتفعًا يرتبط باستجابة أقل لتأثير الكافيين، بحيث يحتاجون إلى كمية أكبر من الكافيين للوصول إلى التأثير نفسه الذي كانوا يحصلون عليه عندما يكون الكورتيزول منخفضًا. واستناداً إلى نتائج هذه الدراسة، ينصح الباحثون بشرب القهوة بشكل يتناغم مع الوتيرة الطبيعية لهرمون الكورتيزول في الجسم من أجل الحصول على الفائدة المرجوة منها، إذ أكدوا أن شربها في الأوقات التالية التي يكون فيها تركيز الكورتيزول منخفضا يحمل فوائد أكبر للجسم ويكون فيها تأثير الكافايين أعلى:
- بين الساعة التاسعة والنصف والحادية عشر والنصف صباحًا.
- بين الساعة الواحدة والنصف والرابعة والنصف ظهراً.
* المعلومات الواردة في الدليل هي معلومات عامة فقط. يرجى مراجعة في شروط الاستخدام وحماية المعلومات