الحدود والسلطة الوالدية تهدف إلى تعريف الطفل على المجالات التي يمنع من القيام بها في المجتمع. أمّا العادات وقوانين الآداب فهي أمور يجدر به تعلّمها.
الأسئلة التي تخطر لنا هنا هي:
• هل من المهمّ أن يعرف الطفل الحدود ويلتزم بالقوانين؟ إذا كان الجواب بالإيجاب - متى؟
• هل هناك تصرفات لدى الكبار تجعل الطفل يطوّر حبّ السيطرة لديه؟
• هل هناك تصرفات لدى الكبار تساعد الطفل على الخنوع والرضوخ؟
• هل هناك تصرّفات لدى الكبار تساعد على تطوير الاستقلاليّة والاهتمام بالبيئة المحيطة به؟
• هل هناك علاقة بين تطوّر الطفل وبين قدرته على تعلّم الحدود أو على تقبّل السلطة؟
يكون الطفل منذ نغومة أظفاره عاجزًا، ويصبح بالتدريج مستقلاً.
في سنّ 9- 10 أشهر يبدأ بالزحف وفي سنّ سنة يبدأ بالمشي، وعندها يصير الطفل غير عاجز بتحرّكه في الأماكن التي يريد أن يقصدها ويعيش فيها.
من بداية حياته يتعلّم الطفل استعمال صوته حتى يعبر عن احتياجاته وعن رغباته، وفي عمر سنة يبدأ بامتلاك مصطلحات لغوية واضحة أكثر، ولهذا فهو يتمكن من التعبير عن ذاته بسهوله أكبر. رويدًا رويدًا، يتطوّر لدى الطفل الإحساس بالسيطرة وبالقدرة على تحقيق احتياجاته بنفسه.
في المقابل، إنّ الطفل يطوّر معرفته بذاته: بأنّه صاحب كيان مستقل وبأنّه يستطيع أن يقوم بعدّة أمور وحده وبأنه ليس عاجزًا إلى درجة كبيرة.
في هذا العمر يصبح الموضوع الأهمّ الذي يهتمّ به الطفل ويتفحّصه هو: حدود الاستقلاليّة!
فيسأل ويتفحّص هذه الحدود، كما يتفحّص إلى أي درجة هو متعلق بالآخرين؟ إلى أيّ درجة هو ملزَم بالانصياع لهم؟ إلى أيّ درج هو مستقلّ وليس بحاجه إلى آخرين؟ إلى أيّ درجة يستطيع القيام بما يحلو له؟
الطريقة الطبيعية للاستفسار بشأن هذه الأسئلة هي "بثّ المسؤوليّة"، وهذا يعني بالطبع الاعتراض على كلّ ما يقوله الكبار أو ما يطلبونه، وهذا ما نسمّيه "جيل التمرّد"، و"جيل الرفض". بهذا الجيل يعترض الطفل بشكل مبدئيّ على أمور كثيرة تقال له، وذلك فقط لأنّه يريد أن يعرف درجة قوّته بفرض رأيه وعدم تقبل "إملاءات" الآخرين.
يختار الطفل في هذه المرحلة والبالغون أيضًا كيف يتعاملون مع بعضهم البعض. هذا الاختيار من الممكن أن يحدّد هل سيختار الطفل طريقًا يظنّ فيه أن كل شيء مسموح له حتى لو كان الثمن هو الهدم وعدم الاهتمام بما يدور حوله، أم أنه سيتحوّل إلى إنسان لا يتجرأ أن يقوم بشيء من دون موافقة البالغين من حوله.
التوبيخ والمدح!
تحديد ما هو مسموح وما هو ممنوع يتمّ عن طريق الأب والأم. مثلاً:
• عندما ينهي الطفل أكل ما في صحنه، إذا قلنا له "أنت ولد شاطر"، ما الذي سيفهمه؟
• هل سيفهم أننا نمدحه لأنه أكل كثيرًا أم لأنه لم يتسخ خلال الأكل، أم لأنه أكل وحده؟
لذلك، من المهمّ أن نشرح له مثلاً: "إنني مسرورة لأنك أكلت وحدك دون أن تتّسخ".
من المفروض أن يكون المديح متناسبًا مع الفعل، وأن يُشرَح للطفل ما الذي أعجبنا في تصرّفه، وكذلك أن نصف، نحن المادحين، شعورَنا تجاه هذا الفعل.
من المهمّ أن يتمّ التشديد على الإيجابي في أفعال الطفل، مثلا عند رؤية "خرابيش" رسمها الطفل فهي بالنسبة له إبداع وليس خرابيش، ومن المهم أن نقول له "أكيد انت عملت جهد واستعملت عدة ألوان عشان ترسم هالرسمة الحلوة".
من المهمّ أيضًا الصدق في المديح ومن دون مبالغة، فمثلا أن لا نقول "أنت رسّام مبدع"، فجملة من هذا القبيل تجعله خائفًا من أن لا يبدع مرّة أخرى.
من المهمّ إعطاء الطفل ردود فعل مناسبة لعمره وللحدث نفسه ولفهمه حتى يعرف ما هو متوقّع منه.
أحيانًا، هناك حاجة أيضًا لأن نوضّح للطفل أننا غير راضين عن تصرّفه، فمن المهم توقيفه ووضع الحدود المناسبة أحيانًا. يجب، مثلا، أن نقول للطفل بشكل واضح: "هذا ممنوعٌ وتوقف عمّا تعمله".
هذا نعمله بطريقة "العقاب".
معاقبة الطفل
العقاب هو كل توبيخ أو كل وجه غاضب أو صياح، وهي كلها أمور هدفها أن توصل للطفل أننا غير راضين عن تصرّفه ولا نسمح أكثر بأن يعود على تصرّفه هذا.
العقاب يشبه الإشارة الضوئية التي تقول له متى يتوقف ومتى يكمل، وكذلك كإشارة "قف" تدله أين مسموح له وأين يمكنه أن يدخل.
من المهمّ، أيضًا، معرفة كيفيّة العقاب، ومن المهمّ أن نشرح للطفل ما هو سبب العقاب. فمثلا، عندما يصيح الأهل بالطفل لأنه يطلب قطعة من الحلويات، هل السبب لأن الأم مشغولة، أم لأنّ الأمّ عصبية أم لأنه يسبّب للأهل الإحراج أمام الضيوف؟ عادة يكون الشرح نفسه أفضل وسيلة لوضع الحدود للطفل.
من المهمّ أيضًا عدم وصف الطفل بصفات جارحة مثل "بفهمش" أو "أهبل"، فهذا يجرح الطفل ويسبّب له الإحساس بأنّ لا قيمة له. من المهمّ توضيح ما الذي لا يعجبنا في تصرّف الطفل وتوضيح أيّ تصرّف بديل يكون أفضل.
التوضيح ليس فقط ما هو الممنوع بل ما هو المسموح، أيضًا. التعزيزات والعقاب يجب إرفاقها بالتوضيحات التي تعطي للطفل شعورًا بأنّ له احترامه وبأنّه محبوب ونحن نؤمن بقدرته على التطوّر وفهم مشاعرنا. في هذه الطريقة يمكننا زيادة الرغبة لدى الطفل وزيادة الدافع للقيام بأعمال مفرحة تخلق أجواء طيبة في البيت.
عندما نساعد الطفل على اكتساب مهارات مثل اللعب بالكرة، أو بناء برج، فإننا نمنحه إضافة لاكتسابه هذه المهارات قيمًا تؤثر على نظرته لذاته وتؤثر على نظرته وتعامله مع العالم من حوله وعلى المحيطين به.
كيف نطوّر ثقة الطفل بنفسه وبقدراته
• عن طريق تعبير الأهل عن تقديرهم له.
• عن طريق مساعدة الطفل على الإحساس بأنّه يستطيع مواجهة الصّعوبات.
• إعطاء الطفل مهامّ مناسبة لقدراته حتى يتمكن من تذوّق النجاح. عندما يجمع الطفل نجاحاته فهو يتعلم اكتشاف قدراته، وتتعزّز ثقته بقوّته وبقدراته على مواجهة وأداء مهامّ متعددة. مثلا: عندما يبني الطفل برجًا، فإنّ بناء البرج ليس الأساس، بل إن بناء نظرته لذاته كطفل ناجح، يستمتع بالتعلم ويستمتع بتجريب الأمور الجديدة عليه، فهذا هو الأساس. لذلك، علينا التذكر بأن الاستمتاع بأداء المهمة هو الأساس، وعلينا منح الطفل هذه الفرصة. كذلك، من المهمّ التذكر بأنّ علينا أن نناسب لكل طفل المهامّ التي تساعده على التقدم، وأن لا ننسى منح الطفل تعزيزات على نجاحاته، والأهمّ من ذلك على محاولاته.
• من المهمّ أن نساعد الطفل على امتلاك القدرة لبناء مهامّ يخدم فيها ذاته. فمثلا: المهامّ اليومية التي تساعده ليصير مستقلا مثل الأكل والثياب. هذه المهامّ تعطى للطفل عن طريق اللعب حتى يطوّر الطفل هذه العادات وليس فرضها عليه كمهمّة عليه القيام بها. هدف هذه المهامّ أن تؤسّس لدى الطفل نظرته لذاته بأنّه نعم يستطيع أن يخدم نفسه، وأنه ليس عاجزًا ولهذا ففي استطاعته مواجهة الصعوبات في الوقت الحالي وفي المستقبل، أيضًا.
• من المهم أيضًا مساعدة الطفل على تطويره قدرات ذاتية تقوي إحساسه بأنه يستطيع تفعيل الآخرين من حوله والتأثير عليهم، إضافة إلى تفعيل أغراض معينة. فمثلا: يتعلّم الطفل أن يجرّ وراءه ألعابه أو أن يعطي الطفل شخصًا بالغًا قصّة ليقرأها له. هذه الفعاليّات جاءت لتعزّز قدرات الطفل على تفعيل محيطه. فعاليّات يبادر فيها الطفل إلى تفعيل محيطه، لا أن يقوم محيطه هو بتفعيله فقط.
الطفل بحاجة إلى أن يتعلم الاختيار، وأن يتعلم أيضًا أنه من غير الممكن فعل كل شيء في الحياة، ولذلك عليه أن يختار ما يناسبه.